Layout Style

Full Width Boxed

Background Patterns

Color Scheme

رقص النحل سرّ نجاح العمل





إذا كنت تراقب قفيرَ نحلٍ منذ الصباح، فلا بدّ أن يلفِتَك كيف تصلُ نحلةٌ إلى إحدى البقعِ المزهرة ليَليَ ذلك وصولُ العديد من النحلات إلى نفس المكان... هذه هي نتيجةُ لغةِ التواصلِ بين النحل "لغةِ الرقص".




طوّر النحل طريقةَ تواصلٍ غيرَ اعتيادية تسمى رقصَ التهادي أو الرقصةَ الاهتزازية "waggle" ذات الدلالةِ الرمزية العالية. فعن طريقها تعرف النحلةُ العاملة من الأخرياتِ تفاصيلَ دقيقةً عن مكان وجود الرحيق، بشكلٍ منفصل زمانياً ومكانياً عن ذلك المكان.

تعمل خمسٌ إلى خمسٍ وعشرين بالمئة من نحلاتِ المستعمرة ككشّافاتٍ مَهمــّــتهُن البحثُ عن مصادرِ الغذاء الجديدة، وإعلامُ العاملات الأخريات بمكانها. صحيح أن الكشّافاتِ لسْنَ سوى عاملاتٍ يجمعْن الرحيق، إلا أنّ أبحاثاً حديثة بيّنت أنهن مجموعاتٌ مختلفةٌ ذواتُ أنماطٍ مميّزة في التعبير الجيني لأدمغتها، ولن تستغرب السبب بعد أن تتابع قراءة المقال.

يتمّ أداءُ الرقصة على الأقراص الشمعية وفق نمطٍ يشابهُ الرقمَ ثمانية أو رمز اللانهاية (∞)، مع مسيرٍ مستقيم بين الدورات وتصفيقاتٍ متفرّقة للأجنحة. تحملُ الكشّافات ثلاثةَ أنواع من المعلومات تتبادلُها بواسطة هذه اللغة مع الأخريات، هي: رائحةُ الطعام، اتجاهُه بالنسبة للمستعمرة والمسافةُ اللازمة للوصول إليه. فكيف يتم ذلك؟!


المسافة:

إذا كان الغذاءُ ضمن مسافةٍ لا تزيد عن 75 متراً من الخلية، تقوم الكشافةُ برقصةٍ مستديرة على سطح إطارِ أو مشطِ العسل

بينما تقوم برقصةٍ أكثرَ تعقيداً إذا زاد بعدُ الغذاء عن 75 متراً، وهي ما ندعوه بالرقصة الاهتزازية "waggle dance".


لهذه الرقصة مكوّنان هما السيرُ المستقيم الذي يدُلّ على اتجاه الغذاء، وسرعةُ تَكرارِ الرقصة التي تدلّ على بُعد المصدر عن القفير. يوجد مخططٌ بياني يربط بين سرعةِ أداءِ الرقصة والمسافة، وضعَه الألماني كارل فون فريش Karl von Frisch الذي نال جائزة نوبل العام 1973 لاكتشافِه الكثيرَ عن لغة تواصِل النحل التي نعرفها اليوم. يُظهر هذا المخططُ ازديادَ بعدِ الغذاء كلما قلّ عدد اللفّات المنفّذة خلال 15 ثانية.

لكن كيف للنحلة حساب البعد؟

كان يُعتقدُ سابقاً أن ذلك يتم من خلال تقييمِ الطاقةِ المصروفة للوصول إلى مكان الغذاء، لكنْ تبيّن لاحقاً أن المسألةَ أكثرُ تعقيداً. إذ تقدّر النحلةُ المسافةَ بعددِ الصور التي تلتقطها أثناء الطيران، ومع أن عينَ النحلة لا تعطي الكثير من التفاصيل الدقيقة عن عمقِ محيطها، إلا أنّها حساسةٌ جداً للومضات. لفهم الومضات تابع معنا التجربة التالية:

تمّ وضعُ قفيرِ نحلٍ على بعد 230 متراً من مصدرٍ للغذاء على الأرض، ثم أعيدت التجربةُ بوضع المصدر والقفير على سطح مبنىً عالٍ تفصِلُهما المسافةُ نفسُها (230 م). فلوحظ أن رقصةَ كشافات الحالة الثانية أشارت إلى أنّ بعدَ الغذاء نصفُ ما هو عليه حقاً، في حين كانت الأمور عاديةً عندما وُضع القفير على مستوى الأرض، الأمرُ الذي يُفسّر بقلة التنوع الذي مر على عين النحلة عند انتقالها فوق سطح المبنى. لتفهم الفكرةَ أكثر؛ تخيل تتابُعَ المشاهدِ الذي يمرّ أمام عينيك وأنت تراقب الأرض من نافذةِ الطائرة المحلّقة مع تتابع المشاهد عندما تقترب نفسُ الطائرة من الهبوط.

وهكذا من الممكنِ حَملُ النحلة الكشافة على تقديم معلوماتٍ خاطئةٍ أو كاذبة صناعياً عن طريق إجبارِها على الطيران في نفقٍ ملوّن بشرائطَ متناوبةٍ مختلفةِ الألوان، لتتعرّض بذلك إلى ومضاتٍ عديدة متتالية تجعلُها تخبرُ الأخريات بأن مصدر الغذاء يبعد 70 متراً في حين أنه لا يبعد أكثر من 11 متراً مثلاً.

بعد أن تعرف النحلةُ المسافةَ تترجمُها ضمن رقصتها بحيث يزيد عددُ لفاتِ الرقصة كلما اقترب الغذاء كما أسلفنا؛ وكلّما أطالت النحلة زمنَ الرقصة بمقدار 75 ميلي ثانية دلّ ذلك على زيادة في البعد تعادلُ 100 متر.

من الضروري للنحلة أن تعرفَ المسافةَ اللازمة للوصول إلى المرعى، فهي تتزوّدُ بغذاءٍ يكفي للقيام بالرحلة فقط، لا أكثرَ ولا أقل.

الاتجاه:

لا يكفي أن تعلمَ النحلاتُ بأن بعدَ الغذاء هو 600 مترٍ مثلاً، فهي تحتاج أيضاً إلى معرفة اتجاه موقعِ ذلك الغذاء؛ وهنا يبرز دور الطّورِ الثابت من الرقصة الاهتزازية والذي يعَدّ الطور الأكثرَ إثارة. يتبعُ تحديدُ اتجاه المصدر الوقتَ من اليوم، بمعنى أن الرّقصةَ التي تدلّ على أن الغذاء المكتشفَ صباحاً والواقعَ في اتجاه شمال شرق لن تماثلَ الرقصةَ التي تدل على وجود نفس الغذاء في نفس الاتجاه فيما لو اكتُشف ظهراً، بمعنى تبعيةِ الرقصة لمكان الشمس، فكيف يتم ذلك؟

تتغير زاويةُ الرقصة بنفس درجة حركة الشمس في السماء خلال اليوم.

يؤدّي نحلُ العسل نوعين آخرين من الرقص؛ الأول هو الاهتزاز "shake" عندما يكون مصدرُ الرّحيق غنياً جداً وبحاجة إلى العديد من العاملات لجَنْيِه. يتمّ هذا النوع من الرقص بأن تقوم النحلة الكشّافة بهزّ بطنها إلى الأمام والخلف أثناء سيرِها في المستعمرة بين العاملات المنزليات، لحضّهن على مراقبة الرقصة ومعرفةِ مكان المصدر الغني. أما النوعُ الثاني فهو الارتعاش "tremble" الذي تقوم به العاملاتُ اللاتي جلبْنَ كميةَ رحيقٍ كبيرةً تستلزمُ قيامَ عدة نحلاتٍ منزليةٍ بمعالجتِه إلى عسل، أو عندما يصعُب على النحلة التخلّصُ من حمولتِها من حبوب الطلع. يكون الارتعاشُ بالمشي البطيء مع ارتجافِ الساقين مما يجعل جسمَ النحلةِ يبدو بحركة اهتزازية إلى اليمين واليسار والأمام والخلف، وقد تستمر بذلك طويلاً لمدة تصل إلى الساعة طالما لم تتمَّ الاستجابةُ المرجوّة.


أخيراً فإن الرقصةَ نفسَها تؤديها الكشافاتُ عند الرغبة بالإشارة إلى وجود مكان مناسب للتعشيش وبناء الخلية في المرحلة الأولى من إنشائها، فلا تنحصرُ مهمة الرقص إذاً في الدلالة على الغذاء.
رقص النحل سرّ نجاح العمل Reviewed by Unknown on 1:50 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لـ فكره عامه © 2015 - 2016
Powered By Blogger, Designed by Tarkhawy

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.