النرجسية الأسطورة و المرض
أوديب، الكترا، نارسيوس وغيرهِم من الشّخصيات الأسطوريّة التي عالجَها "فرويد" وفق تحليلِه للنَّفس البشريّة المُتمحورة حول تاريخٍ تراكُميِّ موحّدٍ للبشر أجمعين، حيث ميرّز فرويد بين البشر الأسوياء نفسيّاً وغيرِهم . سنتعرّف معاً في هذا المقال على حكاية "نارسيوس" الشّاب الأجمل على الإطلاق والذي سقطَ ضحيّةَ غروره، فكانت النرجسيّة، وكانت دراسات فرويد ونظريّاته عنها.
من الاسطروة اليونانية القديمة إلى فرويد وإلى يومنا هذا، عرفنا مصطلح النرجسية، لطالما سمعنا عن فتى هائل الجمال يدعى نرسيس أو ناركسوس بالإنكليزية Narcissus وتعني النرجس، كان هذا الفتى - تقول الاسطورة الاغريقية القديمة - شديد الغرور والأنانية ويحب نفسه حبا جما، كبر هذا الفتى واشتد حبه لنفسه وبيوم من الأيام انحنى على ضفة نهر ليشرب وما كان إن رأى انعكاس صورة وجهه الملائكي على سطح الماء فما لبث إلا أن عشق صورته ووقع فى غرام نفسه من اللحظة الأولى. ولكن كلما اقترب وانحنا ليقبل هذه الصورة الجميلة اضطرب وجه الماء الراكد وتشوه الانعكاس الجميل. رفض نرسيس التخلي عن محبوبه فظل مستلقيا على ضفة النهر أياماً طوال إلا أن قدميه ضربت جذوراً عميقةً في الماء وتحول جسمه إلى غصينات وأزهار صفراء وبيضاء فكان النرجس Narcissus الذي تزهي ضفاف الأنهر يجماله الشبق.
ألهمت أسطورة نرسيس العديد من علماء النفس والكتاب والشعراء والنحاتين والرسامين فبدأو بنقل هذه الصورة الجميلة واليائسة من حب الذات إلى الناس. ومن هنا أتى مصطلح النرجسية في علم التحليل النفسي وجاء تعريف اضطراب النرجسية أو حب الذات أو Narcissistic Personality Disorder حيث يتميز المريض بشعوره القوي بالأهمية والعظمة والتفرد، ونصيب من الغطرسة والتعالي.
النرجسيون بحاجة متواصلة إلى الشعور بالاهتمام الشديد والتبجيل والتعظيم من قبل الآخرين. ويعاني النرجسي كثيرا لأنه على أرض الواقع لن يجد من يشبع تلك الحاجات الاجتماعية في كل الأوقات والأحوال وهذا بالتالي يؤدي إلى المرض النفسي وفي النهاية كثيرا مايكون وحيدا وفاشلا اجتماعيا لأنه لا يقبل أن يوجه له أحد النقد أو اللوم أو حتى النصح لتغيير أي من سلوكياته وإذا وجه له اللوم أو النقد فإنه لا يضع له أي اعتبار. ولهذا لا تجد للنرجسي علاقات ثابتة أو وثيقة مع الآخرين. وأحيانا يرتبط هذا المرض بالسادية وجنون العظمة.
إن بعض الأسباب النفسية لهذا الاضطراب قد تكون حالة من الغضب الشديد عانى منها الشخص المصاب مبكرا في طفولته تجاه أفراد يشكلون أهمية مركزية في حياته. كما يعتقد أن وراء التعظيم المتعمد للذات شعورا دفينا بالدونية يسكن كل أركان النفس في الشخص المصاب وما هذه التصرفات النرجسية إلا وسيلة دفاع غير واعية ضد هذا الشعور.
و يعتقد البعض أيضا أن السبب تربوي بحت يكمن في حدة انتقادات الأبوين الموجهة لأبنائهم كجزء من الحرص عليهم وتوقعاتهم العالية في أطفالهم. معظم النرجسيين غالبا ما يكونون أول أطفال الأسرة أو الوحيدين لآبائهم. ويستخدم النرجسيون قدرتهم اللغوية لإظهار تفردهم وعظمتهم وليس كوسيلة للتواصل أو فهم الآخرين. يحرص النرجسي على الاستعراض كثيرا لقدراته اللغوية ولا يهمه محتوى ما يقدمه من كلام والذي عادة لا يتميز بالفعل بشيء عن الآخرين إن لم يكن أقل أو حتى فارغا من المحتوى. عمل سيغموند فرويد (1856-1939) على شخصية نرسيس وحلل عقدتها وربطها بالأنا النفسية للأشخاص وقد ذكر في كتابه (عن النرجسية: مدخل. 1914) أنّ حب النفس ليس أمراً مرضياً بالضرورة، فكلنا يحب نفسه ونتوق حباً إلى البقاء، وتبدء هذه الحاجة بعد أول نفس نأخذه خارج أرحام أمهاتنا وهي تعلقنا بهنّ وحبنا لهنّ، وهو ما سماه النرجسية البدئية، أما النرجسية المرضيه أو ما سماه النرجسية الثانوية هي عندما ينتقل الشخص من حبه للمحيط الى حب مافي داخل الذات
النرجسية الأسطورة و المرض
Reviewed by Unknown
on
9:04 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: